نقطة.. عودة إلى السطر..
خدعة..
لم يكن يعلم حين انضم إليهم أنهم
لا يعرفون النقطة.. لم يعرف حينها أنّ العودة إلى السطر تعني قبلة مسدس بين
الحاجبين.. أو ربما طرف سكين مسنن يداعب
بخشونة العنق المشدود الرأس كأنّه شاة.
مشهد..
كان يقف غير بعيد يشهد نزول عدالتهم السوداء على المرتد... ترتعش فيه عضلات الوجه
كسطح بحر يعلن عن دنوّ العاصفة.. يكاد الدم يفجر أوردة الرقبة المتصلبة.. عيناه
شاخصتان نحو ذلك الذي ألبسوه المذلة عنوة عند أقدامهم النتنة.. تسبه ألسنتهم التي
لم تعرف غير الشتائم و القذف و الفتاوى الباطلة تحل لهم ما اشتهت غرائزهم الحيوانية
الغابية.
موقف..
تغرورق عيناه في غفلة منهم.. يحتار
إلى أين يريد أن يركض.. إلى المفر أم إلى السكين ليحوله إلى رقابهم.. يهمس عاصراً
الوجه نافياً عن نفسه الرجولة: "سامحني.. أنا السبب.." في تلك اللّحظة
يعلو الصراخ.. أن الله أكبر.. الله أكبر.. يردد معهم.. يبصق على جثة الخائن المرتد
عن ملتهم و يلعنه ... يعلم أنّها أبشع تمثيلية يؤديها في حياته.. و بإتقان الممثل
المحترف..
واقع..
على الأرض جثة شاب في العقد الثاني تغرق في دمائها .. جثة صديق
الطفولة..كان قبل دقائق ينظر نحوه بعزّة" لست نادم على دق النقطة.. فماذا عنك"..
ينظر إليها مبدياً اشمئزازاً.. يرقبه كبير الوحوش.. و هو يقول: "نجاسة لن
ندنس أرض الله بها.. دعوها للضواري تنهش لحمها.. هذا إن أمكنها ذلك.." تعلو
الضحكات.. و هو في ذلك معهم.. يواصل التمثيلية..
قرار..
في عتمة الليل ينسل بصمت و ذكاء من المغارة.. و يمضي بين تعاريج الجبل التي يعرفها كما يعرف تقاسيم وجه
الصديق.. فهو عندهم مجرد خادم يأتي بالمؤونة من المدن و القرى و يمررها عبر مسالك
وعرة لا تصلها أنظار الأمن و لا تمشيطاتهم.. يصل إلى المذبح البشري.. يرتمي على
الجسد يود أن ينتحب.. و لكن.. لا وقت، يحمله على ظهره و يمسك الرأس بيمينه يحضنه
بين الحين و الآخر.. و يردد له أنه سيدفنه في المقبرة.. كما يدفن أكارم الرجال..
ذكريات مرة..
يحفر الأرض في المقبرة الخالية حتى
من حارسها.. يعيد على مسامع الجثة.. قصة
الطريق إلى الجبل.. "أتذكر ماذا قال لنا الخبيث ولد الطلابة قبل سنتين.. نريد
دولة إسلامية تحكم بأصول و مبادئ الشريعة الاسلامية.. قال الله قال الرسول لا
ميثاق لا دستور.. أنا أذكر.. كان يخدعنا بفصاحة يتصنعها و أحاديث لا أصل لها.. و
من أين لنا أن نسمع بالأحاديث و من أين لنا أن نعرف صحة الآيات من خطئها.. و نحن
لا نحفظ غير الفاتحة.. رحبوا بنا بادئ الأمر أجل.. ثم استعبدونا.. لم توافق على
الصعود للجبل.. أعلم أني حفرت قبرك هذا يوم أقنعتك بالجهاد.. اقصد بالإرهاب..
الوداع..
لم يكن وضع النقطة خارج حكم الموت سهلاً و العودة إلى السطر باتت مستحيلة..
غادر المقبرة إلى منزل والديه مباشرة.. كان لديه أمل أن يصل قبلهم إلى هناك.. دخل
القرية مع شروق الشمس.. سمع أصواتاً تهمس الإرهابي.. الإرهابي عاد.. الملعون..
نذير الشؤم.. لكنّه لا يبالي فقط يسرع.. دخل الحوش وجد أمه الحزينة في مكانها
المعتاد.. ارتمى على يديها يقبلها و يقسم أنّه لم يمسس بشراً بأذية.. ركض نحو
الداخل و جثا عند ركبتي والده المقعد.. يقسم أنّه لم يقتل حتى نملة.. أراد أن يقول
أنّه كان أجبن من يعود إلى السطر بعد أول حرف.
المصير..
خرج راكضاً نحو الباب.. لكنه من الداخل رأى رجال الأمن قد غزوا حوش الدار
فعاد و هم خلفه راكضاً نحو النافذة للهرب من الجهة الخلفية فاستقبلته الجماعة
الإرهابية.. علا صوت الرصاص عمت الفوضى وحدثت اشتباكات من داخل و خارج المنزل..
بعد بعض وقت مرّ كساعات.. كان هو ملقىً يتخبط في بركة من الدماء يحاول تلفظ
الشهادة.
آمال بوضياف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق