الجمعة، 5 يوليو 2013

الوطن في عينيها.. همس الخيبات


 
الوطن في عينيها... همس الخيبات
 أرغمتِني بعد سبع عهود من البياض، على حمل القلم مجدداً، وتحميل الورق بعض جنونكِ وتمردكِ أبعد من مجدداً، بعض جموحكِ وانحرافكِ عن الشذوذ ببضع حروف.. كأقصى نقطة بعيداً عن مجدداً، ما زلتُ أعتقد بوجود ما يشبه الشذوذ تحت سماء الوطن، ذاك ما تعلمته من عينيك، تعلمت كيف أسير بين الرصيف و الطريق، كيف أصيد بشبه شبكة، كيف أخيط دون إبرة، كيف أجامل دون أن أبتسم، كيف أكون غيماً.. لكن دون مطر، تعلمت متى يحمل القلب الوطن و متى يحمل طيفه.. في الربيع الثالث أنتِ اليوم تبدين أكثر نضارة وأكثر مكراً... تختبئين خلف نظّارة شفافة على الرغم من حبكِ الكبير للكذب.. للتَّرشف من فنجان التَّلاعب على أقل من مهلك، على يقين أنا، لو أن سحبك نبأتكِ باحتمال اجتماعنا بقطرة مطر واحدة.. للبستِها سوداءً كمطارية، لا أخفي دهشتي الغارقة في الفضول من دهشة فضحتها نظرتُكِ القاسية نفسها... مازلتِ تحتفظين بكل تلك القوة، دهشة مسحتِها بكل خبث ببعض ابتسامة خالية من كل إنسانية موغلة في الأنوثة... وخزَتني لثوانٍ لكني سحبتها بمشهد من الذاكرة مشهد لقائنا الثاني في المكتبة بعد جدال ساخر دار بيننا في أول لقاء... حين التقيتك للمرة الثانية للغلطة الأكيدة.. طلبت منكِ القلم وفتحت لك أبواباً، أرسلتِ نفس النظر فطوقتني وابتسمت نفس تلك الابتسامة فحبستني سنيناً وقلت ببساطة أن القلم لا يكتب، سألتك حينها كمدّعٍ للسذاجة لماذا تحملينه إذا كان لا يكتب.. ضحكت وقلت: "لا أستعمل الأشياء بالضرورة لأغراضها" وأدخلتني بكل تلك الأشياء التي لا تُسْتَعْمَل لأغراضها في دوامة لم أخرج منها إلّا بعد رحيلي بعدة انتكاسات.. لطالما أتقنتِ لغة الحرب و عجزت أمام لغة الحب. تجادلنا في المحاضرة الأولى لأن بن لادن حسبك صنع أمريكي وطالبان أصابع أمريكا في آسيا، و بالتالي القاعدة إنتاج أمريكي يصدّر على أعلى المستويات.. و كمحصلة لا وجود للقاعدة بل الموجود هو الإرهاب الأمريكي، سخرت مني كأستاذٍ محاضر يؤمن بوجود القاعدة غريبة دائماً كانت قناعاتك وافتراضاتك، ولكن ما لا تعلمينه أن سخريتكِ العلنية من محاضرتي استفزاز لا يذكر أمام استفزاز حجم عينيك وزرقتهما لصبري وتجلّدي، لم أكن ساذجاً ولكني ربما لم أكن ملتهباً بما يكفي في حضرة صيفك وجحيمك لأتحمل عطشه.. لأتوق لمجرد قطرة مطر... ففي غياب المطر تتشقق شفاه الوقت وتعجز عن تقبيل الأمل... في زلزال بومرداس، توفّي صديقك ردماً تحت أنقاض بيته، صرختِ بي مراراً قلت أني و أمثالي السبب فيما حدث لأننا نجرح الوطن أو ما بقي منه بأكوام من الفاشلين.. أشباه متعلمين يحترفون الغش، يحترفون قتل الناس حتى في بيوتهم، هل كنت تتناسين عمداً نفسك في تلك العلياء من التفوق و النجاح، ربما معك حق لأننا ننتجهم عقولاً مهاجرة أو عقولاً مغمورة خلف الأنا الأكبر لهذا الوطن، تحملتُ كل اتهاماتك ونحيبك، لأني كنت أراك لأول مرة شرسة كلبؤة بأنياب و مخالب، شعرت فيها بأني حقاً لا أستطيع الاقتراب من حدود أرضك... علمت أنني أجهلك تماماً... وأنا لم أكن قد حظّرت لشراستك أسلحةً.. فتلك السماء في عينيك كانت مدعاة للأمان تماماً كما تقولين عن سماء الوطن... جميلة مخادعة... وقبل أن يجف القلم، أحقاً صوت بـ (لا) للمصالحة الوطنية؟ كنت تعلنين أنك لن تسامحي الأيدي المغمورة في دماء الأبرياء أن الدم لا تزيله ورقة كتب عليها (نعم)، وأنها حكاية أخطبوط آن له أن ينفث سواده ليختبئ خلفه.. ليس المجرم فقط من حمل سلاحاً.. كثيرٌ هم من قتلوا بكلمة أو حتى بإشارة .. كنت أيضاً أعتقد أنك حين تصوتين بـ (لا) ستهزم الــ (لا) الـ (نعم) بأكثر من نصف الوطن، فوحدك تحملين نصفه... مازلت أحمل عينيك و الخيبة سماءً في وطني.. وسيم كان ابنك، لم يكن أزرق العينين ولكنه كان يفيض ذكاءً، لا تجعليه يشبهك على الأقل من أجل نصف وطن أفضل. صاحب الأحلام المنتحرة: مدمن الخيبات. 
 
 آمال بوضياف

ليست هناك تعليقات: