الثلاثاء، 30 يوليو 2013

صـخـب



كان قبرها صامتاً عكس ما توقّع.. بقربه بضع حجارة تنبئ عن قبر جديد أو.. هذا ما يقولونه في مدينته.. تساءل بهمس: "لمن القبر التالي يا ترى؟ من ستأخذين بعدك؟ " قرأ الفاتحة وهو مؤمن أنّ روحها تستحق القرآن كله.. فموتها لم يكن عادلاً لأمّ أمضت عشرية من الدّم تهرب بأبنائها من الموت من مكان لآخر.. كان قدرها أن تسكن القصدير وأن تعمل منظفة لوساخة بشر لا تزول ولا ترحم.. كانت كرامتها فوق ذل المسألة وأخلاقها أعلى من أي نذالة..
ماتت مرتان.. هكذا يعتقد، الأولى حين أقسمت امرأة وزوجها أنهما شاهدا ابنتها في مدينة أخرى بلباس خليع، انهارت.. لطمت وجهها.. صاحت: " عام يا ربي عام.. عام ما نسمع ولا شيء وكي نسمع لازم نموت يا ربي.. لازم نموت يا ربي علاش.. علاش يا ربي علاش"
لم يكن وصول تلك المدينة صعبا لامرأة تعودت أن تكون رجل.. لكنها قصدته ليلتها كان وجهها مسودّاً كقطعة الفحم التي تداركها الرماد قالت أنها لا تملك المال.. قالت أنها لن تبرأ من العثة التي تربت دالخها حتى ترى كيف تحول ما بقي من سنين عمرها إلى عهر..
لجأت إليه لأنه الغريب الذي ساندها وبقي إلى جانبها منذ مقتل ابنها الشاب في ذلك الانفجار بالسوق.. الغريب الذي لم يخذلها أبدا رغم أن الزمن كان زمن الخذلان والموت..
استقلا سيارة أجرى نحو المدينة الاخرى.. لم تنطق بأي كلمة طول الطريق ولكنها لم تكن شاردة كانت جسد بلا روح تقبع بجانبه كتمثال ينتظر لحظة تهاويه.. هناك أين نسائم البحر تعبّق الارجاء أين الجو مخنوق بعفوتنه.. تتبعا الوصف وبسؤال بسيط اشارت كل الصابع أن "إلى هناك.." وصلا عمارة عتيقة درجها ضيق تتبعا أول رواق صادفاه.. كانت هناك.. تصرخ بشخص ما كانت سافرة بل كانت حامل.. 
لم تتفوه الأم بكلمة اكتمل سواد وجهها حتى غابت ملامحها.. اتجهت نحوها.. توقع أي أمر إلّا أن تخنقها.. كان الأغرب أن ابنتها لم تقاوم بل استسلمت تماما.. أسرع نحوهما حاول جاهدا فك قبضتها ولكن دون جدوى.. 
أخذ رأسه بين بيده لم يعرف ماذا يفعل.. يتصل بالإسعاف أم بالشرطة.. طلب منها أن تهرب.. كانت جاثمة بقربها بصرها لصيق بالأرض قالت بصوت هادئ: "هربتُ بما يكفي، أخذ الإرهاب زوجي وابني ومع أني صوت بلا للمصالحة في تلك السنة إلّا أنها تمت، ربيتها كما آمنت بالتربية انظر إليها.. وأرسلتها لتتعلم وتخرج نفسها من الفقر.. ماتت أنظر إليها.. بل أنظر إليّ" 
عاد إلى مدينته وقد تضاعف حزنه القديم، لكنه لم يعد بها.. توفيت ليلتها في السجن.. ماتت للمرة الثانية.. توقع أن يكون قبرها صاخباً لأنه يؤمن أن الفاجعة التي لا تشفى يبقى صراخها عالياً حتى عندما يدفن صاحبها. 

آمال بوضياف 

الأحد، 28 يوليو 2013

الاحلام.. ضفاف من تيه




على الضفة الأخرى.. ينام الغصن الأخضر عن.. طير يغرد.. وطير يحلق على غير هدىً..
على الضفة الأخرى.. تتراقص صفرة السنابل.. بعيدا عن عيني الرسام.. بعيدا عن ريشته..
على تلك الضفة كحلٌ.. يشتاق عيون حسنائه.. وشعر يتوق لمشطه.. وعِقد لم يعرف جيده..
على ضفة ما.. نهر يريد أن يصبح بحراً.. وبحرٌ قلبه محيط.. ومحيطٌ ضاق به الكوكب..
على ضفة غابت.. غيتار حزين بغيرأصابع.. وشفاه راعٍ لم تجد ناياً..وموسيقى بلا عازف..
على كل الضفاف.. أحلام يتيمة.. وعلى كل الضفاف الأخرى عيون تحلم أن تنجب..


الثلاثاء، 23 يوليو 2013

النصف الآخر...



كان متعباً.. جسده متهالك كجثّة مازالت فيها بقاياً من روح.. تجلس هي محاذية لتعبه تبكيه كمداً.. لكنّها ما لبثت أن قامت باتجاه غرفة من غرف مقتبل العمر.. حضّرت فيها كل ما يلزم لتؤدي طقوس الزوجة الصّالحة علّ عرّافة العطاء تزورها.. 
بعد عمر قصير من التّضرع والتّعبد.. جاءتها العرّافة سألت: "ما مرادك؟ " ردّت : "كلمّا تعب امنحيه بِضْعاً من عمري" تجهّم وجه العرّافة ..طال صمتها ثمّ قالت: "لك ذلك ولكن.. سيذوي النّصف منك حين يكتمل الكلّ منه"
حين مرّ نصف عمرها في أقلّ من نصف الزمن.. أخذ يبحث فيها بنوع من طقوس الزوج الكامل.. ويردد: " أين أنتِ؟؟ أين نصفكِ الذي كان يلمع؟ " 
لبس وجهها مسحة حزن مزخرفة بنصف دمعة.. همست قبل أن تهوي: " لكنّه معك.. النصف الآخر 'كلّه' معك"

"رفقاً بالقوارير"

الخميس، 18 يوليو 2013

وللدنيا وجوه..





صراخه يعلو المكان.. وهو الذي تعلّم أن يكبت كل فكرة وكلمة وحرف مهما كان مؤلماً..
 يضرب رأسه بكل ما أوتيَ على أحد الجدران القائمة علّه يخرّ صريعاً ولكن..
 وعيُه أقوى من أن يغيب..
 ينزّ جبينه بضع قطرات لبخل جرحه الذي تورّم وأصبح بنفسجيًّا غامق..
ينظر إليها.. عيناه المحمرتان تلتهمان ثراءها أباً عن جد..
 أوردة الرقبة والذّراعين تنتفض بفقره أباً عن جد..
يصيح بها أن " دعيني.. لست كلباً لأحد" 
تمسح عن وجهها وملابسها زبده بغير قرف متفحصة أجزاءً من كهفه المرتب
تبتسم تقول أن "انظر إلى المرآة.. ألستَ مسعوراً"
يرتعش.. يدنو من المرآة.. ورمه جرحٌ غائر.. وفمه مكمم..
 التفت إليها بهلع.. يشير بكلتا يديه أن "من أنتِ؟؟ من أنتِ؟؟"
قهقت وقالت بتبجح.. " أنا الدّنــيــا"

"اللّهم لا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا تسلط علينا من لا يرحمنا"
"اللّهم آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
 

الثلاثاء، 16 يوليو 2013

حنين


ألوذُ إلى صَمْتِ المَكانِ.. أُلاحِق عِطْرك
أُغطِّي ملءَ المكان بجفن.. وبالآخر أُعانقُ طيْفك
ملءُ المكان حزناً.. يكسرُ صمته..
كفاكِ حنيناً... كفاكِ

أكاذيب جميلة..


أريد أن أكــون أكثر قوة... لكي أكذب عليك.. 
فالحقيـــقة "أحــيــانــاً" أهون مـــمّا نتوقع..


كلّ أكاذيبي.. تهوي وتتشظّى حباًّ..
حين تدّعي.. أنّـك صدّقـتـها.. 


أنا.. لا أصدّقك حــيــن تقول "أنا بخير"
ولكنّي.. أتعزّى بالخير في أنّك تقول..

الأحد، 14 يوليو 2013

رحــيـــل..

كانت تقف ترمقه بنظرة تعرف أنه لن يعود، أنّها آخر مرة ترى توليه عنها، لابد وأنه حزين تدرك ذلك بل كان مفطور الفؤاد، فهذه نهاية لم يتوقعها ليكتب في سجل أيامه الكئيبة يوم لا يشبه تلك التي توقّع بؤسها وحضر له صفحات كثيرة.. لم يتوقع ذلك مذ عرفها ليترك صفحة لـ:"يوم بلا حب" كانت تفّكر بوجه لا يعكس امرأة خسرت حبها، كان وجهاً لامرأة أنجبت لتوّها قراراً ربّما حطم فيها بعض الأنثى ولكنه بعث المرأة بل الأم التي تبحث عن صفحات أكثر نصاعة من تلك التي كتبت عليها طفولتها  وشبابها لأولادٍ لم تنجبهم بعد وهي لا تعلم حتى إن كانت  ستنجبهم.. أطفال لا تعرف عنهم سوى أنها تنتظرهم... لحظات بعد مضيّه في اتجاه كان لهما معاً أعطت ظهرها لظهره وعادت تدوس نفس الخطى لكن ليس لنفس البداية، وجهه الأخير فقط ما تحمل من سنوات من الأحلام التي كانت تخلق في رحم الحب وتجهض على  سرير الواقع بلا أدنى ألم في اليوم الموالي...
 لم ينبس ببنت شفه، فقط تجهم... ثم انطلقت أساريره موشّحة بابتسامة شاحبة، لم يتنهد كما كان يفعل مع كل انجراف يحصل في أرض مضيّه نحو ابسط حلم، انجراف تلوى الآخر حتى غدت أرضه محض موضع قدم، جُرفت هي مع كل تلك الوحول ما كانت تريد أن تسأل ما عساها تفعل بعمرها الذي يمضى ولكنّها لم تعده كما كان يفعل.. ربّما لهذا لم يتنهد  
سألته ذات حلم، إن هو يعرف ما الفراق، ابتسم بلا حزن.. ابتسم بوجهه هذا الأخير وقال: " الفراق هو أن يسرق أحدنا من الآخر" ابتسمت يومها وتساءلت كيف يسرق البشر... همس لها ولنفسه.. أن تتركها للأيام..
 مازالت تمضي وتفكّر أنّ كلاهما كان يعرف كيف تسرق الأحلام وكيف تقتل.. كيف أن القلب يغادر طوعاً قطاراً يشق صحراء الأمل، ليستقل آخر يمضي في عواصف من المطر.. 
جلست أرضاً... انكمشت على نفسها.. بكت.. سألها المارة عمّا بها كانت تردد: "مغص.. مغص حاد.."  تهمس "غصة... غصة.. سأختنق" رفعت رأسها نحوهم.. كانت تنظر في أعينهم باحثة عنه.. قالت باكية: "أظنني سأجهض.." همست "بل أجهضت" عمت الفوضى المكان.. أصوات مختلفة ".. لدينا حامل اطلبوا الإسعاف.." على حالها مازالت تبكي... تحترق كلماتها في الدموع: "سأعود.." 
 وقفت.. سارت بخطاً وئيدة.. تستند على كل ما تمّر به.. ركضت.. دخلت أرضه بحثت عنه في الصمت والفوضى.. لم تجد حتى عطره.. قيل أنّه استقل أول طائرة للأحلام.. غادر ماضيه نحو أحلامٍ على اتساع مداها تسرق العمر.. 
رحلة الرجوع مع وجع أسفل البطن أو في الصدر لا تعلم تحديداً، علّها لم تكن الوحيدة التي بحثت لنفسها عن وطن آخر.. علّها الآن تفهم حزنه الذي كبر حتى اختفى تحت مجرد ابتسامة شاحبة، علّها الآن تدرك كيف يسرق البشر... أو علّها أدركت أخيراً أنّ هناك قلوب خلقت لبعضها لكن.. مقدّر عليها الرحيل.. مهما كان مسمّى السبب، تماماً كالشعوب والأوطان.
آمـــال بوضياف  

جواب مفقود..



دخل بيت العمر القديم يراجع شقوق الجدران يتذكر وجهها على طريقته القديمة، كانت تفاصيلها في كل أركان الغرف... يعشق الرجل عادة أكثر من امرأة لكن هو... هو رجل المرأة الواحدة، تعلم الحب من عينيها التي لا تجيد سوى إثارة الأسئلة وتعلم الهرب إلى صمته الذي دام عشرون عاماً، حين التقاها أول مرّة في الحي علقت فؤاده ثبتت نظرها بنظره لثواني ثم انصرفت، كانت ستقول شيئاً لكنها لم تفعل، في الثامنة والأربعين اليوم ابتسم، لكنّه يومها في الثامنة والعشرين عبس وردد بحيرة "لكن... "
لم تكن جميلة حد إغرائه ولكنها أسرته بتلك القسوة والغضب معاً في عينيها، وجرته لسنين خلف سؤال واحد "ماذا كانت ستقول؟ "
ظل يراقبها ويمشي خلفها حتّى تعلم كل عاداتها،  سار تحت المطر والبرد شتاءً، تحمل الصقيع ربيعاً، كان يرى ما تراه ويبتسم لما تبتسم له، يصل متأخراً لعمله بينما تصل هي في موعدها، ينتظرها على الغداء ليطلب ما تطلبه، يراقبها وهي تأكل فينسى غداءه غالباً، يرافقها مساءً ويتجول خلفها بين المحلات، قد يشتري ما تشتريه حتى لو كان عطراً نسائياً أو كتاب طبخ، ينتظرها في اليوم الموالي بثيابها الجديدة إن اقتنت ملابساً.
في قرارة نفسه عزم تكليمها، أمّا شجاعته فلم توحي بذلك، سار خلفها صباحاً دون جدوى انتظرها عند الغداء، جلس غير بعيد، تشجع.. دنى منها.. استأذنها لكنّها لم تجبه ظلت تنظر ذات النظرة، كانت ستقول شيئاً لكنها عدلت، أشارت أن يجلس، ظلّ صامتاً ينظر إليها كاد أن يقول شيئاً لكنه بالمثل لم يفعل ثم انصرف.
بين الهزيمة والسخرية تأرجح طويلاً نظر بكل تمعن لكل غرفة كان يدخلها في البيت الصغير الصامت، ذاك الطلاء الزهري كوجنتيها، السقف الأبيض كبياض عينيها، النافذة بنورها كوجهها، الأثاث البني كثوبها، إلى حد ما كره نفسه في كل تلك الأشياء بقدر ما عشقها.  
بأسلوب غريب للهرب قبِل عرضاً كان قائم وغادر البلد، عاش عشرون عاماً يكتب رسائل الشوق ويطرح ذات السؤال: "ماذا كانت ستقول؟ " هذا بيته الصغير غيّره الزمن أمّا تفاصيله فعلى حالها مثل حبه تماماً.
 زار صديقه القديم، وجده أباً لثلاثة أطفال، سأله عنها في شكل يبدو كمجرد سؤال مثل باقي الأسئلة، أخبره أنه حاول الاتصال به مراراً بعد سفره دون جدوى لأنّها سألت عنه طيلة الأسبوع الذي تلا رحيله وسبق وفاتها في حادث، نظر إلى صديقه اغرورقت عيناه كاد أن يقول شيئاً لكنّه عدل عن ذلك، ليظل الجواب مفقوداَ.
 آمــال بوضياف  

الجمعة، 12 يوليو 2013

البَّرَانــي..

على كرسي حجري في حديقة عامة، بثيابه القذرة وشعره الأشعث ممدد بكل رفاهية متكئ على مرفقه، بكل عنجهية ينفخ دخان سيجارة ويصرخ "أنا الملك" تمر غير بعيد عنه نساء فتخشاه وتخشى نوباته، يمر قربه كهول فيحوقلون، ويمر بمحاذاته شباب فيبتسمون بين السخرية والإعجاب أن قحاً هو الملك، فلا سلطان عليه.
ذاك هو عمّي الزبير شيخ مشرد، مجنون تارة وعاقل أخرى، عرفه الجميع كما تعلّموا أن يرهبوه، في أقصى حالات جنونه يشتم ويعربد ويكسر كل ما في طريقه، في أقصى حالات هدوئه يكون ورعاً حكيماً يقول أن الدنيا غدارة ويقول أيضاً: "أنا زمان كنت.." ولا أحد يعرف قصته ولا ما كان لأنه لم يكمل الجملة إطلاقاً.
كانت تسير ببطء خطواتها وئيدة لكأنها تخشى السقوط، محنية لا ترفع رأسها عن الأرض إلّا نادراً ليس حياءً بل حتى لا تغفل عيناها عن مواضع رجليها، تتمتم: " يا حسراه زمان كي كنت.." لكن الجميع يعرف ما كانت خالتي جوهر سيدة القوة وصاحبة القد الممشوق والخطوات الثابتة، قيل أنها أول من التحق بجبهة التحرير في حيّها، وقيل أيضاً أنها كانت صاحبة هيبة ومازالت رغم الكبر، أصيبت أثناء حرب التحرير ونقلت إلى تونس وزوجها مفقود منذ أن اعتقل في إحدى المداهمات، كما أنّها فقدت ابنها الوحيد في العشرية السوداء وذاك فقط ما أحناها بهذا الشكل.
كانت تسير وتسمع صراخاً فظاً وكلاماً قبيحاً في ناحية من نواحي الحديقة، كعادتها القديمة لا تخشى شيئاً اتجهت حيث الضجيج وحيث الناس تفر وتتجنب المرور، كان عمّي الزبير يعربد ويزبد ويشتم ويردد "أنا الملك" لكنّه توقف فجأة وسكن، أخذ ينزل عن المقعد ببطء وعيناه لا ترتفعان عنها، مشدوه إليها وقد ذهب عنه كل ارتعاشه، همس مرات عدة ثم صرخ: "أعدت؟ أعدت؟ أيعود الأموات؟ " عرفها رغم وجهها المجعد الذي زادته المحن والحزن سمرة 
 كانت خالتي الجوهر قد رفعت رأسها عن الأرض وتجمدت مكانها، اغرورقت عيناها.. تغيرت ملامحها همست أنه الزبير نادته مرات عدة بصوت مختنق، كان عسيراً عليه أن يسمعها وعسيراً عليها أن ترفع صوتها، عرفته رغم بياض شعره وتشعثه رغم وجهه المخفي خلف لحيته القذرة الطويلة.
أخذ يقترب منها وقد عاد إليه ارتعاشه، كانت تعلم أنه غاضب فهي تعرف كل حركاته، حملق في وجهها سألها باستغراب : "متى عدت يا الجوهر" ردت " لم أرحل أصلاً يا الزبير" شد رأسه بكلتا  يديه أغمض عينيه، قال: " أين كنت إذاً؟ " ردت: " في تونس" صمت برهة ثم بدأ يبكي كطفل صغير ويردد " لقد قتلوا أخي يالجوهر عذبوه وقتلوه، وحين هربت من الكهف لم أجد الوطن" أخذت تبكي بصمت، سكت عن نحيبه سألها وقد نظر إلى بطنها " أين ابني؟ " وقفت استقامت بجهد وقالت" مات، مات رجلاً" 
 تركته منكمشاً في كرسيه يردد " أنا البرانّي أنا المقطوع" كانت تبكي وتهمس" لم يقتله العدو جنيناً ولا رضيعاً ولا طفلاً لكن قتله الوطن رجلاً" سألها شاب إن كانت تعرف ذاك المجنون ومن هو فقالت بحزن " إنّه مجاهد" نظرت إليه وأتمت"بل بقايا مجاهد"
  آمـــال بوضـياف

  

الخميس، 11 يوليو 2013

أهل الليل..

يغادرك الأحبة محطة.. محطة
وأنت الّليلُ الّذي.. اختَرْتَ أن تكون مسافراً..
أيُّ جرحٍ يحمل المحارب في قلبه؟؟
وقد أُسْقِطَ سيفه.. قبل أن يسقط هو..
فصبراً يا أهل اللّيل.. في القلب متّسعٌ..
لمئات المحطّات.. والمحاربين.

السبت، 6 يوليو 2013

قصة عربي (2)

 قصة عربي (2)
يحمل جرح جده وحزن أبيه وخوف جيله من الظلمة، يكره طعم الخبز المرّ والبدلات الزرقاء أو السوداء أو الخضراء، تعددت الهراوات واليد التي تضرب واحدة، يعاند تلك الزرقة البنفسجية تحت عينه والسباب الداكن الذي يلوكه سخطاً بين الشفاه، يموت على رصيف الوطن مرات ومرات، ويحيى في قلبه مدفوناً تحت أنقاض سنين من الفساد، يغضب على غير موعد، يغضب على حين غرّة.. يفجر خمود التمرّد الذي دخل السبات منذ عهد الاستعمار الكلاسيكي، يعشق بعد عذابات مريرة من التقلب على جمر الجوع والعطش والبرد والضيم.. الفوضى والصراخ والتكسير وقلب الكراسي وكسر أرجلها، ما عاد هو أو علّه بات أخيراً هو... عارياً اليوم في الشوارع يركض كاشفاً عورات الانضباط والنظام، منذ متى كان خجلاً من جسده منذ متى تعايش مع كساء الاستعباد..؟ ما عاد يذكر.. علّها استطالة السنين المنسوجة بأنواع من القهر أو هو الخبز المعجون بالدموع والدم، مازال حزيناً يدفع لكرامته لحماً بشرياً يقتطعه من أعضاء أخيه وابنه وابنته وأمه وزوجته و..و..و.. عارياً لنفسه أمام مرآة رفض النظر إليها في زمن مضى حيناً وصيروها في ذلك الزمان حين فكّر النظر إليها شظايا أحاييناً يعرف كل تلك الندبات والثغور والاقتطاعات كم سيبكي بعد؟ ماذا سيخسر أكثر؟ أيجوع الإنسان جوعاً غير الجوع؟ أيعطش الإنسان ما يشبه العطش؟ أتهان الكرامة أكثر مما أهينت؟ تساءل وتساءل... ما عاد يريد انتعال جوعه ولا اكتساء صبره، ما عاد يريد تجرع كبريائه كلقمة مرّة.
تقول أمّه يكفي وليت الذي كان ما كان .. ليتنا نأكله أسوداً وعفناً لتبقى سالماً... يتحسس حزنه وجرحه يبحث في كرهه لهذا الوطن عن حبه له يبحث لفصل الضحك المبكي في نفسه عن بعض ابتسامة ...  يقول بكل بساطة تعبت و"تباً". 
 حمل على غير كل ما كتب التاريخ حاسوباً وشبكة، سيحرق ما تبقى من روما... ويعيث فساد البيزنطيين والوندال، سيحمل مع الدمار والسلاح راية مطالب شرعية.. سيبكي ويموت ويكتب تاريخاً جديداً في بحثه عن سطور خالية من الكذب، هو اليوم أكثر منه أمس، هو اليوم الرجل الجريح القلب والكرامة، رجل ما عادت تنفعه المسكنات.. رجل استسلم لوعيه..
عربي يكتب قصته الأخرى وهو مؤمن بأنّ زمن ياجوج وماجوج يسبق زمن المهدي المنتظر.

 08/07/2012
آمال بوضياف


قصة عربي (1)


قصة عربيّ (1)

منذ زمن... منذ زمن بعيد أوقف عقارب الانتظار وحطم كلّ ساعات التطلع، لا معنى لكن فقط سلال من فراغ كعزاء، كئيب يلتف في حزن ابتسامة ليعيش فصل الضحك، ثم ينتحر على عتبات الاختناق في دمعة فارة من المعتقل، يقول: " إذا سدت كلّ الأبواب من حيث لن تفتح... لابد من الكسر"  يتعجب ثم يمسح علامة التعجب لأن وجودها أغرب من النقطة،  عليه إذاً أن يحارب من دون سيف من دون بندقية من دون قلم من دون حاسوب، لا ينتمي رغم الألفية الثانية لأي عصر، يفكر في أن يبيع الهوى لكن في زيّ ممثل أو لاعب كرة قدم... أو حتى مغني بدون صوت لكنّه لا يعرف الطريق إلى جسور المتعة والرفاه، من أين يبدأ، يتاجر في المخدرات... جبان يخشى السجون رغم أن "الحبس للرجال" يهرب كل ما يؤكل ولا يؤكل عبر الحدود... جبان أيضاً يخشى المهربين والحارسين عليهم ومنهم، ربمّا يسرق... لم يبق في البلد ما يسرق إلّا على أعلى المستويات، ينظر نحو الأعلى بعيدة هي السماء... قالوا عليه أن يركض... منذ زمن وهو يركض ويقفز إن تطلب الأمر رياضي بلا رياضة وممثل بلا عدسات تصوير وهدهد عند الحاجة، لكن تظل الأبواب مسدودة بل هي غرف من دون أبواب لعالم لا ينتمي إليه...
ضيع التعجب واندثرت النقطة وخلع عنه حزن الابتسامة لينهي فصل الضحك المبكي، يلبس أخيراً علامة غضب، ويلحق بعقرب من عقارب الموت إمّا على شكل قارب يخوض العباب نحو أوطان تكرهه أو مجاهد يقطع رؤوس الأبرياء و يمزق أجسامهم أنْ في سبيل الله... يئن في الحالتين يحلم مع سكرات الموت بأمه وزوجة لم تكن وأولاد لم يأتوا ووطن لم ينتمي إليه رغم المسمى جنسية، يحلم بدفتر صكوك ليس برصيد كبير بل بأجر نهاية الشهر رغم الضآلة، يحلم على عتبات الموت بحياة عادية أو أقرب... نهاية عادية لعربي يحيى القرن الواحد والعشرين.
08/07/2012


آمـــال بوضياف

نقطة.. عودة إلى السطر


نقطة.. عودة إلى السطر..

خدعة..
 لم يكن يعلم حين انضم إليهم أنهم لا يعرفون النقطة.. لم يعرف حينها أنّ العودة إلى السطر تعني قبلة مسدس بين الحاجبين..  أو ربما طرف سكين مسنن يداعب بخشونة العنق المشدود الرأس كأنّه شاة.

مشهد..
كان يقف غير بعيد يشهد نزول عدالتهم  السوداء على المرتد... ترتعش فيه عضلات الوجه كسطح بحر يعلن عن دنوّ العاصفة.. يكاد الدم يفجر أوردة الرقبة المتصلبة.. عيناه شاخصتان نحو ذلك الذي ألبسوه المذلة عنوة عند أقدامهم النتنة.. تسبه ألسنتهم التي لم تعرف غير الشتائم و القذف و الفتاوى الباطلة تحل لهم ما اشتهت غرائزهم الحيوانية الغابية.

موقف..
تغرورق عيناه  في غفلة منهم.. يحتار إلى أين يريد أن يركض.. إلى المفر أم إلى السكين ليحوله إلى رقابهم.. يهمس عاصراً الوجه نافياً عن نفسه الرجولة: "سامحني.. أنا السبب.." في تلك اللّحظة يعلو الصراخ.. أن الله أكبر.. الله أكبر.. يردد معهم.. يبصق على جثة الخائن المرتد عن ملتهم و يلعنه ... يعلم أنّها أبشع تمثيلية يؤديها في حياته.. و بإتقان الممثل المحترف..

واقع..
على الأرض جثة شاب في العقد الثاني تغرق في دمائها .. جثة صديق الطفولة..كان قبل دقائق ينظر نحوه بعزّة" لست نادم على دق النقطة.. فماذا عنك".. ينظر إليها مبدياً اشمئزازاً.. يرقبه كبير الوحوش.. و هو يقول: "نجاسة لن ندنس أرض الله بها.. دعوها للضواري تنهش لحمها.. هذا إن أمكنها ذلك.." تعلو الضحكات.. و هو في ذلك معهم.. يواصل التمثيلية..

قرار..
في عتمة الليل ينسل بصمت و ذكاء من المغارة.. و يمضي بين  تعاريج الجبل التي يعرفها كما يعرف تقاسيم وجه الصديق.. فهو عندهم مجرد خادم يأتي بالمؤونة من المدن و القرى و يمررها عبر مسالك وعرة لا تصلها أنظار الأمن و لا تمشيطاتهم.. يصل إلى المذبح البشري.. يرتمي على الجسد يود أن ينتحب.. و لكن.. لا وقت، يحمله على ظهره و يمسك الرأس بيمينه يحضنه بين الحين و الآخر.. و يردد له أنه سيدفنه في المقبرة.. كما يدفن أكارم الرجال..

ذكريات مرة..
 يحفر الأرض في المقبرة الخالية حتى من حارسها.. يعيد على مسامع الجثة..  قصة الطريق إلى الجبل.. "أتذكر ماذا قال لنا الخبيث ولد الطلابة قبل سنتين.. نريد دولة إسلامية تحكم بأصول و مبادئ الشريعة الاسلامية.. قال الله قال الرسول لا ميثاق لا دستور.. أنا أذكر.. كان يخدعنا بفصاحة يتصنعها و أحاديث لا أصل لها.. و من أين لنا أن نسمع بالأحاديث و من أين لنا أن نعرف صحة الآيات من خطئها.. و نحن لا نحفظ غير الفاتحة.. رحبوا بنا بادئ الأمر أجل.. ثم استعبدونا.. لم توافق على الصعود للجبل.. أعلم أني حفرت قبرك هذا يوم أقنعتك بالجهاد.. اقصد بالإرهاب..
الوداع..
لم يكن وضع النقطة خارج حكم الموت سهلاً و العودة إلى السطر باتت مستحيلة.. غادر المقبرة إلى منزل والديه مباشرة.. كان لديه أمل أن يصل قبلهم إلى هناك.. دخل القرية مع شروق الشمس.. سمع أصواتاً تهمس الإرهابي.. الإرهابي عاد.. الملعون.. نذير الشؤم.. لكنّه لا يبالي فقط يسرع.. دخل الحوش وجد أمه الحزينة في مكانها المعتاد.. ارتمى على يديها يقبلها و يقسم أنّه لم يمسس بشراً بأذية.. ركض نحو الداخل و جثا عند ركبتي والده المقعد.. يقسم أنّه لم يقتل حتى نملة.. أراد أن يقول أنّه كان أجبن من يعود إلى السطر بعد أول حرف.
المصير..
خرج راكضاً نحو الباب.. لكنه من الداخل رأى رجال الأمن قد غزوا حوش الدار فعاد و هم خلفه راكضاً نحو النافذة للهرب من الجهة الخلفية فاستقبلته الجماعة الإرهابية.. علا صوت الرصاص عمت الفوضى وحدثت اشتباكات من داخل و خارج المنزل.. بعد بعض وقت مرّ كساعات.. كان هو ملقىً يتخبط في بركة من الدماء يحاول تلفظ الشهادة.

آمال بوضياف
 

الجمعة، 5 يوليو 2013

نوبة ربو.. في منتهى الأنانية





أنثى 

نوبة ربو.. في منتهى الأنانية
 عدت يومها باكيةً، كان جموح الدموع في أسره ذاك أقوى من أن يهدأ أو يروض، قطيع من الأحصنة الغاضبة الحزينة.. أحصنة هوجاء متمردة تندفع نحو العلن، ما عادت تبالي لا بالسماء ولا الأرض ولا تلك العيون التي لا تعرف عن الذي يحدث سوى امرأة تمشي باكية، خذلتني للمرة الأولى والأخيرة، للمرة الوحيدة والأخيرة .. 
ركضت نحو الموعد.. نحو الموقف حيث اتفقنا، لم أجدك... نصف ساعة كانت كفيلة لأن لا أجدك، جاد حاسم في قراراتك كما عهدتك، انتظرت نصف ساعة أخرى علّك من تأخر مع أنه مستبعد، واستسلمت للقدر أخيراً وعدت أحمل خيبتي.
 تذكرت كيف أننا كنا واحد فقط، أنت تتكلم وأنا أستمع، أنت تقرر وأنا أنفذ، أنت ترسم الطريق وأنا أسير، مشاريع أحادية فقط كنت فيها الجزء المتلقي مهما كانت النتائج، تقرر سفرك ذاك فجأة.. رأيت فيه فرصتك الذهبية، طموح كعادتك أيضاً، قلت عندي يومان لأخبر أهلي ونستخرج عقد الزواج ونسافر معاً، لم تدع لي فرصة لا لأتكلم ولا للسؤال ومضيت، لتتصل مرة أخرى وتسأل ما حلّ بموعدك مع والديّ، كنت سأشرح عبر الهاتف لكنك رفضت، قلت أنك تريد أن تراني وأنا أحمل قراراً في مكان وساعة حددتهما أنت وقلت "إن لم تأتي سأفهم..." 
 تأخرت يومها لأني اضطررت أن أساعد امرأة لا أعرفها ولم أرها قبلاً، تعرضت لنوبة ربو لم تتمكن من سحب بخاخها من حقيبتها واستغرق استعادتها لأنفاسها وقتاً، ساعدتها لأعرف مساحتي في حياتك، موقعي بين أولوياتك، لم أكتشف أنه لم يكن لي موقع ولا مساحة بل واجهت ذلك فقط. علّني كنت ضرورة.. مجرد ضرورة لكن يمكن الاستغناء عنها.
 سافرتَ ونظمتَ كل أمورك، علك حين أخذت ترتب أولياتك من جديد وجدت المرتبة الأخيرة فارغة، فتذكرتني لتتصل اليوم، تعلمت منك ألّا أنتظر أحداً فلم أنتظرك، تعلمت كيف أكون الأولوية رقم واحد عند نفسي قبل غيري فما عدت تعنيني، تعلمت كيف أرفض وأتمرّد، كيف أن الأنانية مسموحة في الحب فقط كي لا أكون نسخة عنك.
 ما بكيت يومها لأنك تخليت عني بمنتهى السهولة، بل لأني لم أتمكن من النظر في عينيك للمرة الأخيرة معلنةً رفضي، سافرتَ دون أن تعلم أني امرأة مستقلة، لأني حين فكرت في السفر معك، طفت أحلامي الخاصة ومشاريعي على السطح.. وتساءلت عمّا أفعله بها.. فأنا لا أجيد تحنيط الأحلام.
أخذت قراري بنفس السهولة التي نهجتها، لكن حزّ في نفسي كثيراً أنك لم تعرف قدرتي على الرفض والمواجهة علّه غباء الأنثى حين يطغى على كل الأولويات، ملاحظة لم أخبر والديّ عنك... لأنه ما كان من ضرورة لذلك.
لا تبحث عني ولا تتصل بي.. لأنك كنت نوبة ربو عابرة، أسست بعدها حياةً جديدة رغم أنانية الحب خالية من الأنانية.
آمــــال بوضياف

قصة الأمل


alt
قصة الأمل..
فتحت مذكرتي البالية.. رمقتني بنظرة الشامت، قلبتُ صفحاتها الخريفية، كل قصة في ختامها نقطة…
 نقطة الفاء في فشل.. شين شمسِ يومٍ حديث الولادة.. لام ليلٍ انقضى و رحل.. لنبدأ من جديد..
 عين النهار أطلت على شوارع الحياة تدفعني نحو مجهول يتوارى في زيِّ معلوم يلوح..
حلم ارتسم لنبلي أضحى هدف، حمل ثقيل يرهق ساعدي… أضاع الهدف؟ أصار الحلم نورساً يجوب الأفق..؟
مازلت أمضي فالطريق طويل و النورس على جزيرة حط..
مذكرتي ترقب نقطة الفاء بشغف.. أغلقها بعنف.. لن أرفع الراية..
في خفية عنها بين انعطافات الأيام أبكي… أخشى استسلامي المبكر.. أخشى موت حديث الولادة
بستاني الذي قضيت الفصول أصون.. لحظة الضيق بخل لا أشجار لا ظل.. لا أزهار لا عطر..
نعم وحيدة.. تلك هي طبائع البشر…
يدي تدفع قلمي.. قلمي يعاندها، مذكرتي سعيدة.. يد تخطف القلم و ترسم السفينة..
أشرقت عيني فرحاً، حلمٌ يشق الطريق إلى حلم..
تدفق الأفق أملاً و تشربت الأيام معانٍ جميلة..
 مذكرتي …!! أتراني أهذي من حمى الفشل؟؟؟ لا.. و لكن لا تضحك الأيام عبثاً.
ماتزال الجزيرة بعيدة، دوار البحر، حر الشمس، برد الليل، أكاد أقع.. حلمي المساند يسندني..
 غيم.. رياح.. فعواصف.. حلمي المساند يحتضنني.. لا خوف لا فزع فلا تنال المقاصد بالأماني…
 لاح لحلمي حلمٌ.. رسم لنفسه زورق..
أترحل؟؟ رافقيني.. أواه مذكرتي ماذا أفعل؟؟ رافقيني..
نورسي على مرمى يد.. رافقيني… رافقيني… كلا لن أفعل..
يا حزن لما تسكنني.. يا دمع لما تغرقني.. أنا من اختارت و أنا من قررت.. ما الحياة إلّا دروب وعرة..
نزلت الجزيرة.. مذكرتي نلت منكِ..
حضّرت قوسي صوبت سهمي أطلقت.. أصبت… نورسي مضرج بدمائه.. 
 
 لم أخطئ الهدف و لكن أخطأت الوسيلة، ضاع حلم و مات آخر.
عين النهار أطبقت جفونها، سكينة اللّيل تُبْعث.. مذكرتي تُفتح..
ختام القصة نقطة الفاء في فشل لكن.. على صفحتها التالية شين شمسٍ ليوم حديث الولادة.. لام ليلٍ قد انقضى و رحل.. لنبدأ من جديد..
تلك هي قصة الأمل
25/11/2009
آمال بوضياف

ستبقى أملي..


مَا زِلْتُ أَحْمِل..
ضَغْطَ أَنَامِلكَ..
أَسَاوِراً.. عَلى مِعْصَمِي...
وَأَضَعُ عَرْضَ كَفّك..
قُفَّازا..ً
مَازالَ... وَجْهُكَ مِرْآتِي
وَسَوَاد عَيْنَيْكَ كُحْلِي..
وَلَمْ تَزَل ابْتِسَامَتُكَ سَمَائِي..
وحُزْنُكَ دَمْعاً أُمْطِرُهُ...عَلى وَرَقي !
وأَسْقِي بِهِ عُمْرِي..
يَا وَلَداً يَعْبَثُ بِالْحُرُوف..
ويُحَرِّفُ كُلَّ كُتُبِي..
وَرَجُلاً يُحْرِقُ فِي صَمْتٍ.. وَصَخَب
تِلالِي و كُلَّ مُدُنِي
يا بَحْراً... يُغْرِقُ بِلا مَوْجٍ
صَحْرائي..
وجِسْراً يَمْتَدُّ.. بِلا عَمَدِ
إِلى قَلْبِي..
يا دِفْئَ الصَّيْفِ.. وَعَطَشِه
يا مَطَرَ الشِّتَاءِ.. وَ بَرْدِه
يا...
حلمي البعيد 

 آمال بوضياف


شرود

شرود...
غطت وجهها بكلتا يديها.. تهمس له :"أن أبعد نظرك عني أبعده لا أريد أن أنتحر.." دون أن يستجيب...
قالت "أفلتني من بصرك وفك قيدي لا أريد أن أغرق في بحرك.."
ظل على حاله يبتسم..
حين وصلت الأعماق... سحبها وقال: "عفواً كنت شارداً.. هل قلت شيئاً ؟ً"
آمال بوضياف

alt

الوطن في عينيها.. همس الخيبات


 
الوطن في عينيها... همس الخيبات
 أرغمتِني بعد سبع عهود من البياض، على حمل القلم مجدداً، وتحميل الورق بعض جنونكِ وتمردكِ أبعد من مجدداً، بعض جموحكِ وانحرافكِ عن الشذوذ ببضع حروف.. كأقصى نقطة بعيداً عن مجدداً، ما زلتُ أعتقد بوجود ما يشبه الشذوذ تحت سماء الوطن، ذاك ما تعلمته من عينيك، تعلمت كيف أسير بين الرصيف و الطريق، كيف أصيد بشبه شبكة، كيف أخيط دون إبرة، كيف أجامل دون أن أبتسم، كيف أكون غيماً.. لكن دون مطر، تعلمت متى يحمل القلب الوطن و متى يحمل طيفه.. في الربيع الثالث أنتِ اليوم تبدين أكثر نضارة وأكثر مكراً... تختبئين خلف نظّارة شفافة على الرغم من حبكِ الكبير للكذب.. للتَّرشف من فنجان التَّلاعب على أقل من مهلك، على يقين أنا، لو أن سحبك نبأتكِ باحتمال اجتماعنا بقطرة مطر واحدة.. للبستِها سوداءً كمطارية، لا أخفي دهشتي الغارقة في الفضول من دهشة فضحتها نظرتُكِ القاسية نفسها... مازلتِ تحتفظين بكل تلك القوة، دهشة مسحتِها بكل خبث ببعض ابتسامة خالية من كل إنسانية موغلة في الأنوثة... وخزَتني لثوانٍ لكني سحبتها بمشهد من الذاكرة مشهد لقائنا الثاني في المكتبة بعد جدال ساخر دار بيننا في أول لقاء... حين التقيتك للمرة الثانية للغلطة الأكيدة.. طلبت منكِ القلم وفتحت لك أبواباً، أرسلتِ نفس النظر فطوقتني وابتسمت نفس تلك الابتسامة فحبستني سنيناً وقلت ببساطة أن القلم لا يكتب، سألتك حينها كمدّعٍ للسذاجة لماذا تحملينه إذا كان لا يكتب.. ضحكت وقلت: "لا أستعمل الأشياء بالضرورة لأغراضها" وأدخلتني بكل تلك الأشياء التي لا تُسْتَعْمَل لأغراضها في دوامة لم أخرج منها إلّا بعد رحيلي بعدة انتكاسات.. لطالما أتقنتِ لغة الحرب و عجزت أمام لغة الحب. تجادلنا في المحاضرة الأولى لأن بن لادن حسبك صنع أمريكي وطالبان أصابع أمريكا في آسيا، و بالتالي القاعدة إنتاج أمريكي يصدّر على أعلى المستويات.. و كمحصلة لا وجود للقاعدة بل الموجود هو الإرهاب الأمريكي، سخرت مني كأستاذٍ محاضر يؤمن بوجود القاعدة غريبة دائماً كانت قناعاتك وافتراضاتك، ولكن ما لا تعلمينه أن سخريتكِ العلنية من محاضرتي استفزاز لا يذكر أمام استفزاز حجم عينيك وزرقتهما لصبري وتجلّدي، لم أكن ساذجاً ولكني ربما لم أكن ملتهباً بما يكفي في حضرة صيفك وجحيمك لأتحمل عطشه.. لأتوق لمجرد قطرة مطر... ففي غياب المطر تتشقق شفاه الوقت وتعجز عن تقبيل الأمل... في زلزال بومرداس، توفّي صديقك ردماً تحت أنقاض بيته، صرختِ بي مراراً قلت أني و أمثالي السبب فيما حدث لأننا نجرح الوطن أو ما بقي منه بأكوام من الفاشلين.. أشباه متعلمين يحترفون الغش، يحترفون قتل الناس حتى في بيوتهم، هل كنت تتناسين عمداً نفسك في تلك العلياء من التفوق و النجاح، ربما معك حق لأننا ننتجهم عقولاً مهاجرة أو عقولاً مغمورة خلف الأنا الأكبر لهذا الوطن، تحملتُ كل اتهاماتك ونحيبك، لأني كنت أراك لأول مرة شرسة كلبؤة بأنياب و مخالب، شعرت فيها بأني حقاً لا أستطيع الاقتراب من حدود أرضك... علمت أنني أجهلك تماماً... وأنا لم أكن قد حظّرت لشراستك أسلحةً.. فتلك السماء في عينيك كانت مدعاة للأمان تماماً كما تقولين عن سماء الوطن... جميلة مخادعة... وقبل أن يجف القلم، أحقاً صوت بـ (لا) للمصالحة الوطنية؟ كنت تعلنين أنك لن تسامحي الأيدي المغمورة في دماء الأبرياء أن الدم لا تزيله ورقة كتب عليها (نعم)، وأنها حكاية أخطبوط آن له أن ينفث سواده ليختبئ خلفه.. ليس المجرم فقط من حمل سلاحاً.. كثيرٌ هم من قتلوا بكلمة أو حتى بإشارة .. كنت أيضاً أعتقد أنك حين تصوتين بـ (لا) ستهزم الــ (لا) الـ (نعم) بأكثر من نصف الوطن، فوحدك تحملين نصفه... مازلت أحمل عينيك و الخيبة سماءً في وطني.. وسيم كان ابنك، لم يكن أزرق العينين ولكنه كان يفيض ذكاءً، لا تجعليه يشبهك على الأقل من أجل نصف وطن أفضل. صاحب الأحلام المنتحرة: مدمن الخيبات. 
 
 آمال بوضياف

حرائقي..

رحلت عني الموانئ وظلت السفن عارية من الوطن..
وتمرد على مرساتي القعر... و استضعفتني الأمواج...
في سبيل لحظة غضب.. أو عتب..
لا أعلم

...................
يحملُ الرّياح بين كفيه
و يُعْلن صدره العاصفة
يحجب عن ربوعه شمسي
وتعتزل شفاهه الرسم...
ساجنة النبض
في عصور من القسوة..
وامتدادات من الصمت
فيحرق بجليده صبري
وتبعث ظلاله النائمة...
براكيني الغافية
ويزرع حسرة في وطني
يطفئ بها كل شموعي
في لحظة...
قال فيها.... بكل كبرياء
نعم سمعت نداءك..
...
تتابعت فصولٌ من سكون..
..صمت..
.
.
.
إلهي !!!!

أأفجر الكون الحولي؟
أأحرق لحظات الارتجاج؟
أأكوي أطراف السؤال؟
آه... وجعي..
آه... حرائقي..

قد أكون وردة..
تستهوي ناظرها
أو زهرة...
تحترف التمايل مع النسمات..
لكنِّي... قلب...
لا يجيد غفران القسوة..
.
.
آمال بوضياف
21/03/2010

نبتة.. فوق الاعراب

alt


غريب كيف أحمل تلك النبتة الفتية و أُشركها كلّ اللّحظات وكلّ التّفاصيل دون أن أرفع مجرّد السّؤال على الوضع المقدر حولي و كيف أرضى به مبنياً للمجهول أو لنقل مبنياً(خارج الإعراب) على حالة، حالة رغم غرابتها خالية من أي زيف، يناقشني عقلي فيها بشراسة، فيكون إعرابي دون مراعاة لتطرّفه اللّغوي نبتتي اسم مرفوع عن سلطتك الظاهرة على كل شيء، فيقول لا شيء يخرج من سيطرة كان، فأقول بالمثل لا يخرج من سيطرة إن و التوكيد أقوى (كما يعلم...) ولكنّي آخر المطاف أشعر أنّ النقاش لا يستحق كل هذا الاهتمام فأختم الإعراب بطريقتي الخاصة:نبتتي اسم مزروع في قلبي بالحركة الظاهرة خارجة حدودك و الضمير المتصل يعني لا شأن لك في محّل أنّ مشاعري فوق التفكير..