الأحد، 14 يوليو 2013

جواب مفقود..



دخل بيت العمر القديم يراجع شقوق الجدران يتذكر وجهها على طريقته القديمة، كانت تفاصيلها في كل أركان الغرف... يعشق الرجل عادة أكثر من امرأة لكن هو... هو رجل المرأة الواحدة، تعلم الحب من عينيها التي لا تجيد سوى إثارة الأسئلة وتعلم الهرب إلى صمته الذي دام عشرون عاماً، حين التقاها أول مرّة في الحي علقت فؤاده ثبتت نظرها بنظره لثواني ثم انصرفت، كانت ستقول شيئاً لكنها لم تفعل، في الثامنة والأربعين اليوم ابتسم، لكنّه يومها في الثامنة والعشرين عبس وردد بحيرة "لكن... "
لم تكن جميلة حد إغرائه ولكنها أسرته بتلك القسوة والغضب معاً في عينيها، وجرته لسنين خلف سؤال واحد "ماذا كانت ستقول؟ "
ظل يراقبها ويمشي خلفها حتّى تعلم كل عاداتها،  سار تحت المطر والبرد شتاءً، تحمل الصقيع ربيعاً، كان يرى ما تراه ويبتسم لما تبتسم له، يصل متأخراً لعمله بينما تصل هي في موعدها، ينتظرها على الغداء ليطلب ما تطلبه، يراقبها وهي تأكل فينسى غداءه غالباً، يرافقها مساءً ويتجول خلفها بين المحلات، قد يشتري ما تشتريه حتى لو كان عطراً نسائياً أو كتاب طبخ، ينتظرها في اليوم الموالي بثيابها الجديدة إن اقتنت ملابساً.
في قرارة نفسه عزم تكليمها، أمّا شجاعته فلم توحي بذلك، سار خلفها صباحاً دون جدوى انتظرها عند الغداء، جلس غير بعيد، تشجع.. دنى منها.. استأذنها لكنّها لم تجبه ظلت تنظر ذات النظرة، كانت ستقول شيئاً لكنها عدلت، أشارت أن يجلس، ظلّ صامتاً ينظر إليها كاد أن يقول شيئاً لكنه بالمثل لم يفعل ثم انصرف.
بين الهزيمة والسخرية تأرجح طويلاً نظر بكل تمعن لكل غرفة كان يدخلها في البيت الصغير الصامت، ذاك الطلاء الزهري كوجنتيها، السقف الأبيض كبياض عينيها، النافذة بنورها كوجهها، الأثاث البني كثوبها، إلى حد ما كره نفسه في كل تلك الأشياء بقدر ما عشقها.  
بأسلوب غريب للهرب قبِل عرضاً كان قائم وغادر البلد، عاش عشرون عاماً يكتب رسائل الشوق ويطرح ذات السؤال: "ماذا كانت ستقول؟ " هذا بيته الصغير غيّره الزمن أمّا تفاصيله فعلى حالها مثل حبه تماماً.
 زار صديقه القديم، وجده أباً لثلاثة أطفال، سأله عنها في شكل يبدو كمجرد سؤال مثل باقي الأسئلة، أخبره أنه حاول الاتصال به مراراً بعد سفره دون جدوى لأنّها سألت عنه طيلة الأسبوع الذي تلا رحيله وسبق وفاتها في حادث، نظر إلى صديقه اغرورقت عيناه كاد أن يقول شيئاً لكنّه عدل عن ذلك، ليظل الجواب مفقوداَ.
 آمــال بوضياف  

ليست هناك تعليقات: