الخميس، 18 يونيو 2015

ذكريات.. حية

فرحي كحبات البرد.. ما إن يلامس الأرض حتى يختفي..
لنحاول مجدداً.. حبات المطر تتساقط طلاً ناعماً.. وبراعم السنابل تعانقها بنفس لطفها.. آه من أواخر الشتاء.. من النافذة كان رأسي مشدوداً نحو الجبل.. لماذا يبدو خجلاً؟ قممه مدسوسة خلف سحاب أبيض متعب.. وسفحه عارٍ كساق كادحة.. وتعجبت من حزنه.. كأن الربيع لم ينفخ من روحه بعد.. كأن الشتاء أبدي.. كذاك الخواء في صدري..
وتلمست صدري بارداً يكسوه جليد صلب.. نعم.. أفتقدك بحجم بلدي وبلدك مجتمعين.. بحجم تلك المسافة بينهما.. بحجم ذاك الجبل وحزنه..
اليوم..
ينادي "المسحراتي": "اصحا يا نايم.." يا إلهي لم أسمعه يوماً.. ولكني في أحلامي ألتقيه وأحوم حوله.. وأسأله عنك أنت الذي جعلتني أسمعه ذات ليل حار متحدياً كل العقبات والمستحيلات... ربيع متأخر يحكي عن صيف ملتهب.. يسحبه من الماضي ليثبته على حاضر كله ضباب لا رؤية ولا أفق..
كل ما في حياتي.. ذكرى أنت بطلها.. بدايتها ونهايتها.. ليس على الماضي عتب ولكن على الحاضر الذي يأبى أن يخلو منك.. ولا يمضى إلّا بك.. أصبح للذكرى ذكرى موازية..
مهما حاولت مجدداً.. يبقى الفرح محدود الهوى حبيساً هناك حيث لا رجوع..

الجمعة، 12 يونيو 2015

لأننا.. هكذا نحب

وحدك الخنجر وحدك الحامي منه..
وحدك الألم .. ووحدك المسكن..
وحدك برد الروح ووحدك... الدفء..
وحدك في حياتي النقائض متعانقة..
كيف أخلع قلبي من صدري لأسد نبع هواك..
وكيف أمحو كل ذاكرتي فقط.. لأنساك..
تعبت منك.. وأنت السيف والغمد..
السيد والعبد.. 
الحياة والموت..
كشمعة.. دنوت منها فأحرقت رمش عيني..
كشمعة أزاحت بنارها ظلمة حزني..
كبحر غاوٍ.. غامرت فيه فحطم سفني..
كبحرساحر.. خضته بلا دعم ولا مركب..
لا أملك راية بيضاء ولكني.. أملك قلبك..
ولا أعلم كيف مازلت أهواك ولكني.. أعلم قطعاً
أني.. 
فيك النبض ولك الهواء
فلنستمر.. 
لأننا هكذا خلقنا..
وهكذا نحب.



الأربعاء، 10 يونيو 2015

من مذكرات امرأة ما.. نصوص مسروقة

كنت أنظر إليه.. بل كنا جميعاً ننظر إليه.. لكن..
كنت الأقل حظاً طبعاً.. أو الأكثر حزناً.. الأعمق وجعاً.. أتساءل بمرارة.. أتراه الموت سيتخطاني نحوه..
في آخر زيارات له كان قد وصل المرض إلى دماغه.. توقف كل شيء حي فيه عن العمل بقيت وحدها الأجهزة تئن معه لعلها تحكي عن صمته.. عيناه غارتا تنظران إلي بحزن كبير.. كان يريد أن يعيش.. ولو أن العمر يمنح لمنحت له ما بقي لي مما لا أعلم كم.. كنت أنظر إليه وأحاول أن أرسم ابتسامة رفضت أن تستجيب.. دموع راسية على شواطئ جفني لم تنزل ولم ترجع ولم تجف.. كان على المرض أن يتوقف قبل أن يصل إلى الرئتين والقلب.. كان عليه أن يتوقف قبل أن يصل إلى الدماغ بعد أن تخطاهما.. ولكنه لم يفعل.. كان لدي أمل لم أحمله يوماً.. ولم يندثر حتى وهو عاجز عن فتح عينيه.. عمره زهرة مازالت تنوى أن تتفتح.. ولكن الأجل لا يعرف عن الأعمار سوى الحصاد..
هو ابن خالتي وصديقي.. ما جمعنا أخوة وصداقة وحب لم تتخلله يوماً مصلحة.. كنا لبعضنا سنداً في كل الظروف.. لا يفوِّت كلما أنقدني من ورطة أن يبتسم ويقول عبارته الشهيرة: "بلا بيا ياكلك الواد" وهو لا يعلم أن الواد بعده لم يجرفني ولم يأكلني فحسب بل أيضاً الغابة صديقي ابتلعتني والوحش أيها الابتسامة التي لن تموت يغتالني في اليوم مئات المرات..
لم يحتج إلى أكثر من خمسة عشر يوماً ليخر تماماً ويرحل عن الدنيا.. بعد أسبوع واحد كان جسده قد شل تماماً.. وتحول إلى مجرد روح تتخبط بين العالمين.. رغم عينيه المفتوحتين تحكيان عن الرغبة في العيش الكثير الكثير.. آه لو أن العمر يمنح أيها الجميل..
ما احتاجه ليرحل أسبوع من التراجع السريع وآخر من العذاب.. كانت بقربه تبكي.. حبيبته وزوجة المستقبل.. رغماً عنها لم تحبني  لطلما اعتبرتني العنصر الزائد في حياته.. الشريك المفروض عليها.. العدوة ولم تخفي ذلك عني كانت تقول أنها لا تحبني ولا تحب وجودي في حياته.. لم أرد أبداً على استفزازاتها إلّا في أحيان قليلة بقولي: "يعرفني قبلك.. كنتُ في الخامسة حين ولدتِ"  فتشطاط غضباً.. كنت أعتبرها عاشقة مجنونة ولم تزعجني أبداً.. في آخر جمعة من حياته حين وصلت المشفى وجدته قد رحل.. جسمه تيبس.. رأسه على الجانب الأيمن.. لم يكن مبتسماً كما يحدث في الأفلام.. رست دموعي لفترة في حدود عينيْ ثم انطلقت غزيرة.. لم أقل له أي كلمة ولكني بصدق حاولت أن أبتسم له.. اعتقدت أنه سيعيش أكثر.. اعتقدت دوماً أنه سيدفنني.. اعتقدت أن الواد لن يأكلني أبداً صديقي.. وصلتْ بعدي بوقت وقفت عنده غير مصدقة.. تشهق بقوة تتلمسه تحاول تعديل رأسه دون جدوى.. نظرت نحوي اشمأزت مني.. قالت كان يجب أن تموتي بدلاً منه.. لماذا يتركك الموت وأنت لا أمل لك.. وانهارت كشجرة اجتثت من أعماقعها في لحظة غير محسوبة..
مر على رحيله.. عام.. لم أمت.. وهي لم تغفر لي أني مازلت حية.. كل ما أفعله أني أترحم على روحه وأدعو له بالمغفرة.. أحاول أن لا أسأل الأجل لماذا تخطاني نحوه وهو الذي لم يشك أي علة.. 
لطالما كنت امرأة لم تعرف كيف تعيش إلّا مع هذا الصديق الذي منحني لحظات فرح حقيقي وجعلني أعيش ما يجب عيشه كلما كنّا سوياً.. 
من مذكرات امرأة لم تعرف كيف تعيش... نصوص مسروقة