الاثنين، 24 فبراير 2014

العقدة

"أخذت العقدة بين أصابعي ثم شددت طرفيها بقوة، فُكَّت العقدة ولكنّ الخيط انقطع فلم أدر أفرجت أم ضاعت.. ربّي قال المال والبنون زينة الحياة  الدنيا أمّا أنا.. فالباقيات الصالحات في حياتي كلّها لم تشفع لأن لا تكون بدل الزينة فتنة" هكذا قال جد أبي وهكذا حكى لي جدّي.
وعبر الأزل كانت الفتنة امرأة "الخير امرا والشر امرا" صهباء زرقاء العينين تلمعان كأفعى رغماً عن وجهها المكسو زغب أصفر وبراءة، جمال أوربي لم يزعزعه شعرها الأشقر المجعد، خلبت به لب الأربعة أولاد سيدي امحمد السايح، بنت الخماس الذي قضى عمره في خدمة الاسباني "باتيس" كانت تخرج للبساتين تساعد والدها بلا اهتمام تقفز كغزال بين أشجار البرتقال، يطالها النظر المغضوض لأولاد سيدي السايح ذهاباً وإياباً من الأكبر الذي يدير زرق العائلة البسيط للأصغر الذي يحيى في ذلك الرزق، قالت جدة أبي أنّها بنت خماس لا تصلح عروساً حتّى للثلاثة المتزوجين من أبنائها إذ "باتيس" نفسه زاهد فيها، ولكن سيدي السايح قال "يتزوجها الأصغر محمد حتى لو راح الرزق وخلات الدار حتى من القط والفار"

ليلة دخلتها كسر عم أبي الأكبر كل أثاث غرفته ورماه علنا في الحوش مصعداً احتجاجه معلناً ولهه، قال أنه أرادها لنفسه وطلبها علناً بل توسل ذلك من سيدي السايح، وسكت أخويه الثاني والثالث لأنّهما طلباها سراً وعشقاها بصمت، وحده جدي محمد من نام مرتاح البال مطمئن فـ "البهصة" بين يديه.

في صباحها خرجت الصهباء تختال في حوش الدار بفخر ملفوف بخجل مصطنع توزع الابتسامات بين الغرف، ترمقها أعين نساء البيت بحقد وتوعُّد، وكان سيدي امحمد جالساً على كرسيه العتيق في الغرفة الكبيرة غارقاً في صمت مهيب مثبتاً عصاه على الأرض بقوة، عيناه لا تبرحان الباب أين تقف كنته صامتة تهز صغيرها المنهار من البكاء متوارية عن نظره في حضرة زوجها الذي تراقبه يندب ضياع الصهباء من يديه وتوعُّدِه بتبديد الزرق، على جانب الكرسي كان يجلس ابنه الثاني متجهم الوجه أسمر أكثر ممّا يجب يردد بصوت خافت متحسر: "آ البهصة.. منّيت روحي بيك" وبالقرب كان المكان فارغاً للابن الثالث الذي قال: "ما نعيش في دار فيها البهصة مَرْةْ راجل آخر حتى ولو خويا" التحق بهم جدّي محمد مندهشاً متذمّراً: "مرا كِالنْسا آبويا.. علاه عليّا ذا الضبيح*"

قال جدي أن والده  سيدي السايح أجابه يومها بأنه لا يعلم أفرجت أم ضاعت ولم يقم من كرسيه ذاك إلّا لقبره.

بغير ندم حكى جدّي أن أخاه الأكبر حج في ذلك العام وتوفي في البقاع المقدسة لأنه دعا الله أن يأخذه ويرحمه من رؤية الصهباء حبلى، أمّا أخويْه فالأول صام عنه ولم يكلمه سوى في الأعياد وعاشوراء، والثاني قاطعه وظل "معاديه" إلى يومه ذاك.

توفي الجميع والصهباء جدّتي بقيت حية بجهلها لم تع أبداً ما انفرط من عقد اولاد سيدي امحمد السايح بسببها، تحب أبناءها الأربعة وتجمعهم كما لم تفعل أذكى بنات جيلها من الأمهات، تضحك بسذاجة وتعبر بتلقائية وتشتم من الأعماق وبعفوية حين نفاجئها من خلف حائط أو ستار دون أن نندهش ممّا هو عيب ولا مما هو قبيح، مأخوذين بالبحر الّذي مازال يتلاطم في عينيها، حين نسألها عما حلّ بسيدي السايح وأولاده تجيب ببساطة ولا مبالات: " وما أدراني.. قالوا هو عقدها وما عرفش يحلها" 

*الضبيح: كلمة عامية تعني الصراخ والكلام الكثير حول موضوع ما بحسد أو غيرة
  

الخميس، 13 فبراير 2014

متى بدأنا؟؟


عدت أدراج الحكاية رويداً رويداً.. أدوس الخطى حزينة.. فقد تاهت عني البداية..
 متى بدءنا؟؟
متى كنتَ الفراغ الذي يسبق النص كغروب.. ومتى بتَ نقطة النهاية كفجر يتدفق تواً.. ومتى كتبتَ الفواصل وسجلتَ نقاط التتابع كبداية ليل..
لم أجد بين السطور طريقي.. ولم تكن الفراغات الصغيرة بين الكلمات أبواباً.. ولا على المعاني المبهمة نوافذ.. ولا على المعاني الجلية كوة.. وحق القول على كذبي أنّي كنت أبحث عن كوة أهرِّبُ منها قلبي خارج الحكاية.. لعل الحكاية تموت فصولاً ومشاهداً.. 
ولكن.. ما قتل الحاكيا بالهرب.. تقتل الحاكيا سرداً.. 
محض كذب على اعتقاد.. لنسرد الحكاية لعلها تموت حين تعرف.. 
كانت الصفحة رغم فراغها خطوط طول وعرض.. والقلم أعرج، وبالقرب كنا نحيك الصمت وكان.. الجو حقاً جميل.. يستحق أن يشفى فيه القلم من عرجه ويستحق أن تفقد الورقة عذريتها الحمقاء في سبيله.. ثم توالت الحروف جلية مبهمة إلى أن استوفت الحكاية كل صدقي.. واكتشفت الورقة فظاعة فعلتها.. واشتقنا للصمت فصمنا.. 

الثلاثاء، 4 فبراير 2014

وشاح المطر.. وطين أمّي



لأني كنت دوماً ألملم حبات المطر وأحيك منها وشاحاً يقيني الجفاف.. هطل المطر غزيراً حتى جرف السيل الوشاح وحقق النبوءة.
كنت كلما نظرت حولي وجدت المدينة عاقر.. وتساءلت دائماً بحق أتيبس الأرحام وتتشقق..كيف للمدن أن تنام على جفاف؟؟ 
لم أكن أعلم أن المدن تسلبك الهوية حين لا تلدك.. وأنها لا تكون عقيماً سوى على الربائب.. 
سألت أمي بهدوء جد صارم.. لماذا لا يوجد أغنية على جدار بيتنا ولماذا بابنا أملس.. ثم.. لماذا ماتت الحكاية قبلي.. لماذا لا أستطيع أن أصنع من الطين على هيئة كتاب ليغدو وطن.. لماذا علمتك أمك تحت الشمس الحارقة التاريخ ولم تعلميني سوى الصمت.. 
لم تجبني.. ولم تلتفت أمّي.. تنهدت.. خرجت أمي للجبل أحضرت الطين كومته بكفي.. وانكفأت تتم قراءة التاريخ ونحت الوطن..


الأحد، 2 فبراير 2014

ذاك البياض


عينك الحزينة وطن يستحق السكن.. ووجهك راية يا أنت..
ريشتي الصغيرة ترسمك يقيناً.. وعجباً كلّما أنهتك.. أنا كنت..
أيُّنا الحاضر في لوحة الشجن تلك.. 
لنرسم سوياً البحر والسماء
ولنترك البياض بينهما.. كما يفعل الأطفال.. 
بين الزرقة والزرقة.. نحتاج فواصل تأمّل وأمل
فخطّ الأفق متعِب بحقّ..

السبت، 1 فبراير 2014

سأعزف دائماً

دائماً وأبداً.. أعزف
 تعلمت العزف على الوتر الأقصر.. وأتقنت السعي في كل الطرق التي لن تؤدي إلى باب الدار..
تتهادى الحقائق على ممشى الحكايا كغوانٍ فاسقات.. 
لم تكن الحقيقة أبداً قبيحة ولا دنيئة.. ولكنها كانت كتلك الأغصان التي تعرّت وداهمها القمر مرتجفة تحت سياط الريح التي تُغنّي بخبث:
"فصلٌ ففصل.. وأنت ربيبة الربيع.. فصلٌ ففصل والحطاب يحب الموتى..فصل ففصل.. والغابة خضراء خضراء.."
 كانت الغابة خضراء وكان الممشى كماخور.. كل شيء فيه صادق لا أقنعة ولا نفاق.. داخل الماخور تورق الأغصان فقط لأن الحقيقة تتعرى ناصعة.. إذ لا لزوم لها حين تغزوها الأخاديد.. (صدق فصدق)
 سأعزف على الوتر الأقصر دائماً لأني لم أتعلم بعد التعري ولم أتعلم صدق المواخير..
 إلى أن يكتمل النص.. ربما نصل الباب ونرتاح جميعاً