الأحد، 14 يوليو 2013

رحــيـــل..

كانت تقف ترمقه بنظرة تعرف أنه لن يعود، أنّها آخر مرة ترى توليه عنها، لابد وأنه حزين تدرك ذلك بل كان مفطور الفؤاد، فهذه نهاية لم يتوقعها ليكتب في سجل أيامه الكئيبة يوم لا يشبه تلك التي توقّع بؤسها وحضر له صفحات كثيرة.. لم يتوقع ذلك مذ عرفها ليترك صفحة لـ:"يوم بلا حب" كانت تفّكر بوجه لا يعكس امرأة خسرت حبها، كان وجهاً لامرأة أنجبت لتوّها قراراً ربّما حطم فيها بعض الأنثى ولكنه بعث المرأة بل الأم التي تبحث عن صفحات أكثر نصاعة من تلك التي كتبت عليها طفولتها  وشبابها لأولادٍ لم تنجبهم بعد وهي لا تعلم حتى إن كانت  ستنجبهم.. أطفال لا تعرف عنهم سوى أنها تنتظرهم... لحظات بعد مضيّه في اتجاه كان لهما معاً أعطت ظهرها لظهره وعادت تدوس نفس الخطى لكن ليس لنفس البداية، وجهه الأخير فقط ما تحمل من سنوات من الأحلام التي كانت تخلق في رحم الحب وتجهض على  سرير الواقع بلا أدنى ألم في اليوم الموالي...
 لم ينبس ببنت شفه، فقط تجهم... ثم انطلقت أساريره موشّحة بابتسامة شاحبة، لم يتنهد كما كان يفعل مع كل انجراف يحصل في أرض مضيّه نحو ابسط حلم، انجراف تلوى الآخر حتى غدت أرضه محض موضع قدم، جُرفت هي مع كل تلك الوحول ما كانت تريد أن تسأل ما عساها تفعل بعمرها الذي يمضى ولكنّها لم تعده كما كان يفعل.. ربّما لهذا لم يتنهد  
سألته ذات حلم، إن هو يعرف ما الفراق، ابتسم بلا حزن.. ابتسم بوجهه هذا الأخير وقال: " الفراق هو أن يسرق أحدنا من الآخر" ابتسمت يومها وتساءلت كيف يسرق البشر... همس لها ولنفسه.. أن تتركها للأيام..
 مازالت تمضي وتفكّر أنّ كلاهما كان يعرف كيف تسرق الأحلام وكيف تقتل.. كيف أن القلب يغادر طوعاً قطاراً يشق صحراء الأمل، ليستقل آخر يمضي في عواصف من المطر.. 
جلست أرضاً... انكمشت على نفسها.. بكت.. سألها المارة عمّا بها كانت تردد: "مغص.. مغص حاد.."  تهمس "غصة... غصة.. سأختنق" رفعت رأسها نحوهم.. كانت تنظر في أعينهم باحثة عنه.. قالت باكية: "أظنني سأجهض.." همست "بل أجهضت" عمت الفوضى المكان.. أصوات مختلفة ".. لدينا حامل اطلبوا الإسعاف.." على حالها مازالت تبكي... تحترق كلماتها في الدموع: "سأعود.." 
 وقفت.. سارت بخطاً وئيدة.. تستند على كل ما تمّر به.. ركضت.. دخلت أرضه بحثت عنه في الصمت والفوضى.. لم تجد حتى عطره.. قيل أنّه استقل أول طائرة للأحلام.. غادر ماضيه نحو أحلامٍ على اتساع مداها تسرق العمر.. 
رحلة الرجوع مع وجع أسفل البطن أو في الصدر لا تعلم تحديداً، علّها لم تكن الوحيدة التي بحثت لنفسها عن وطن آخر.. علّها الآن تفهم حزنه الذي كبر حتى اختفى تحت مجرد ابتسامة شاحبة، علّها الآن تدرك كيف يسرق البشر... أو علّها أدركت أخيراً أنّ هناك قلوب خلقت لبعضها لكن.. مقدّر عليها الرحيل.. مهما كان مسمّى السبب، تماماً كالشعوب والأوطان.
آمـــال بوضياف  

ليست هناك تعليقات: