كان حلمي أن أحيا لحظة حرية حقيقية.. لكن الحرية من أكبر الكلمات تداولاً وأفقرها بل أعدمها تحقيقاً..
في مرحلة ما من حياتي في عمر معين، اضطررت لأن ألبس النظارة السوداء.. كانوا يقولون أن عيناي مصدر مشاكل ومتاعب..
أنا سمراء بل قمحية البشرة.. شعري كستنائي مائل للشقرة.. عيناي؟؟ خضروان فاتحتان والأدهى واسعتان، يقول الجميع بالاتفاق أو بغيره.. يستحيل النظر فيهما أوالتحديق بهما مطولاً.. رفضت وضع الخمار ولحد الساعة.. تعودت رفع شعري بطريقة بسيطة بحيث تبقى خصلات شعري منحدرة على وجهي وعنقي.. كنت أحب أن يداعبها الهواء أو يلعب بها الريح.. أو حتى أن يبللها المطر.. كانت لي عادات يعرفها كل من حولي.. لا أرفع النظارة حتى في قاعة المحاضرات إلى أن يدخل الأستاذ.. حتى اعتقد البعض أني كفيفة.. ألبس اللون الأخصر بشكل أساسي بين غامق شتاءً فاتح صيفاً.. أبتسم باستمرار.. كانت لي قدرة رهيبة على السخرية من أي شيء وكل شيء.. نظرة غريبة للأمور لا يتوقعها أحد..
بقيت كذلك حتى بعد تخرجي من الجامعة.. وحتى وأنا أغرق في وظيفتي التي لا تكتسي أي أهمية.. لكن بعد سنوات من العمل والغرق في الروتين.. بعد سنوات من المخططات الفاشلة والأحلام المجهضة.. تغير لون عينيّ إلى الداكن وضاق اتساعهما.. كانت تلك عادة لا أتحكم بها.. كلما حزنت تضيق عيناي..
بعد سنوات من التخرج يقول لي الجميع أني تغيرت.. "مازلت جميلة لكن.." تبقى الجملة مفتوحة على كلمة مفقودة.. كنت أعلمها هي "حزينة" سنوات الدراسة والبحث بالنسبة لي كانت بوابة مفتوحة على الحرية والحركة والتغيير.. حتى سنوات البحث عن عمل.. لكن الغرق في روتين العمل والإدارة جعلني أفقد أشياء كثيرة..
وأغرب ما حدث معي.. أن لون عينيّ واتساعهما عاد.. منذ أن علمت أني مصابة بالمرض وأصبح لي موعد أكيد مع الموت.. قبل أن أترك عملي كنت أسمع يومياً أن أمراً ما فيّ تغير ولكنه مجهول.. يسألونني ماذا يحدث معي.. بعضهم يقول أني خطبت والآخر يقول بل تزوجت في الصمت.. البنات يتغامزن أني أحب.. ولا أحد يعلم أن ما بقي لي من عمر بت أعشقه وأن الحياة أخيراً أصبحت مجدداً ذات معنى.. أني بت أفتش مجدداً عن أحلامي الضائعة لعلي أستطيع لحاق واحد منها.. كان أكبر أحلامي أن يمنحني والداي متسعاً من الحرية أكبر.. أردت دائماً السفر ولو في البلد.. لكن خوفهما الأبوي والشرقي في نفس الوقت كان يقف عائقاً.. واليوم يقف المرض عائقاً إضافياً.. بعض الحواجز بمرور الوقت تزول.. وفي أوضاع أخرى تنمو وتتكاثر.. وأحياناً لا يكون هناك سوى حاجز واحد مستحيل الإنكسار..
أفكر كثيراً أني كما سمحت للنظارة بالسيطرة على مرحلة من حياتي.. سمحت لأشياء كثيرة بتحريكها وتحديد مسارها..
الأكيد أن الحياة ليست سهلة.. ولكنها بالمقابل جميلة بصعوباتها..
نصوص مسروقة من مذكرات امرأة لم تعرف كيف تعيش..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق