"ننظف الحي ليصبح العالم أجمل"
في أحد أيام ربيعٍ من عمر مضى ليس ببعيد.. كنت عائدة إلى المنزل وقت العصر.. كان الحي في حالة من الحركة غير العادية من ذهاب وإياب.. أذرع وسيقان عارية.. صدور مكشوفة وأصوات لا حصر لها ولا تمييز..
في طريقي للزقاق المؤدي للبيت.. وجدت الولد أنيس ذو الست سنوات يحمل مكنسة أكبر من حجمه الصغير.. يبذل مجهودا كبيراً وهو يحاول دفع التراب، يصدر تنهدات جادة ووجهه المتسخ حازم عازم على الاستمرار.. أمسكته من رأسه وسألته بين الجد والهزل "واش راك ادير يا أنيس" أي ماذا تفعل؟ ابتهج وجهه، قال بصوت فرِح وهو يفتح ذراعيه مشكلا ما يشبه الدائرة مفلتاً المكنسة: "ننظف الحي ليصبح العالم أجمل" قالها بالفصحى..
أدهشني.. توقفت فجأة حتى عن التفكير.. تساءلت: "حقاً؟؟" كان للجملة وقع خاص في نفسي.. بل أخذت بعداً آخر.. درس في الحياة أيها الولد الصغير الذي يحمل مكنسة أكبر منه.. ويدفع كومة تراب تُعجز حتى الكبار؟؟ درس في جملة؟
ماذا لو نظفت نفسي من الداخل من كل اليأس الذي يغمرها، من الحزن من الحقد.. من الغيرة.. من اللامبالاة.. من المغريات.. ماذا لو نظفت دروب العمر المؤدية إلى الأحلام ليس من عقباتها بل من شوائبها.. ماذا لو نظفت الصدر من حطام الأحلام التي انتهى عهدها.. أيصبح العالم أجمل؟؟ أجل كان سيصبح العالم أجمل وأرحب وأوسع.. ليس بشكل مثالي أبداً ولكن.. بحيث أننا نعيش عمراً متزناً لا يقف عند سقطة أو حفرة من حفر الحياة.. لا تسد مسارات الحياة لمجرد أنّ حلماً قد اندثر.. بل تتغير..
دخلت المنزل يومها وكلي شعور أن هالة غريبة تحيط بي.. إلى أي حد يمكنني أن أنظف نفسي وأتخلى عن عقدي.. وأعيش بصفاء.. ثم كيف هي المكنسة وما حجمها.. لابد أن حجمها كبير والعمل سيكون شاقاً جداً لأن أكوام الطبائع والعقد داخلي ليس بهين ولا يسير.. ما جمعته في عمر يلزمه عمراً آخر ليفرق...
قبل ذاك اللقاء بأنيس بأيام كنت قد أجريت تحاليلاً طبية.. كان المغلف في حقيبة يدي.. على موعد مع الطبيب لليوم الموالي ليعلمني بمفادها.. ولم يلزمني سوى أقل من أربعاً وعشرين ساعة لتسقط المكنسة وتندثر كومة التراب.. وتفقد كل الأشياء معانيها.. من أين لي بالعمر لأزيح كل تلك التراكمات.. بل انزاحت ولم يبق إلّا رغبة ملحة في "العيش" شعرت أني عشت عمراً قصيراً لأموت.. عمراً بأحلامه وأفعاله.. ليس بزمنه..
الحزن جزء من الإنسان وليس كله.. هو لحظة صمت وعودة لدفء الذات لملامسة الروح.. للسكينة.. للسكينة التي تسبق رياح الاستمرار لكن بشكل أجمل.. أفلت مكنسة أنيس ولكني لما بقي لي عمر حملتها مرة أخرى.. سأبتسم دائماً
من مذكرات امرأة لم تعرف كيف تعيش
في أحد أيام ربيعٍ من عمر مضى ليس ببعيد.. كنت عائدة إلى المنزل وقت العصر.. كان الحي في حالة من الحركة غير العادية من ذهاب وإياب.. أذرع وسيقان عارية.. صدور مكشوفة وأصوات لا حصر لها ولا تمييز..
في طريقي للزقاق المؤدي للبيت.. وجدت الولد أنيس ذو الست سنوات يحمل مكنسة أكبر من حجمه الصغير.. يبذل مجهودا كبيراً وهو يحاول دفع التراب، يصدر تنهدات جادة ووجهه المتسخ حازم عازم على الاستمرار.. أمسكته من رأسه وسألته بين الجد والهزل "واش راك ادير يا أنيس" أي ماذا تفعل؟ ابتهج وجهه، قال بصوت فرِح وهو يفتح ذراعيه مشكلا ما يشبه الدائرة مفلتاً المكنسة: "ننظف الحي ليصبح العالم أجمل" قالها بالفصحى..
أدهشني.. توقفت فجأة حتى عن التفكير.. تساءلت: "حقاً؟؟" كان للجملة وقع خاص في نفسي.. بل أخذت بعداً آخر.. درس في الحياة أيها الولد الصغير الذي يحمل مكنسة أكبر منه.. ويدفع كومة تراب تُعجز حتى الكبار؟؟ درس في جملة؟
ماذا لو نظفت نفسي من الداخل من كل اليأس الذي يغمرها، من الحزن من الحقد.. من الغيرة.. من اللامبالاة.. من المغريات.. ماذا لو نظفت دروب العمر المؤدية إلى الأحلام ليس من عقباتها بل من شوائبها.. ماذا لو نظفت الصدر من حطام الأحلام التي انتهى عهدها.. أيصبح العالم أجمل؟؟ أجل كان سيصبح العالم أجمل وأرحب وأوسع.. ليس بشكل مثالي أبداً ولكن.. بحيث أننا نعيش عمراً متزناً لا يقف عند سقطة أو حفرة من حفر الحياة.. لا تسد مسارات الحياة لمجرد أنّ حلماً قد اندثر.. بل تتغير..
دخلت المنزل يومها وكلي شعور أن هالة غريبة تحيط بي.. إلى أي حد يمكنني أن أنظف نفسي وأتخلى عن عقدي.. وأعيش بصفاء.. ثم كيف هي المكنسة وما حجمها.. لابد أن حجمها كبير والعمل سيكون شاقاً جداً لأن أكوام الطبائع والعقد داخلي ليس بهين ولا يسير.. ما جمعته في عمر يلزمه عمراً آخر ليفرق...
قبل ذاك اللقاء بأنيس بأيام كنت قد أجريت تحاليلاً طبية.. كان المغلف في حقيبة يدي.. على موعد مع الطبيب لليوم الموالي ليعلمني بمفادها.. ولم يلزمني سوى أقل من أربعاً وعشرين ساعة لتسقط المكنسة وتندثر كومة التراب.. وتفقد كل الأشياء معانيها.. من أين لي بالعمر لأزيح كل تلك التراكمات.. بل انزاحت ولم يبق إلّا رغبة ملحة في "العيش" شعرت أني عشت عمراً قصيراً لأموت.. عمراً بأحلامه وأفعاله.. ليس بزمنه..
الحزن جزء من الإنسان وليس كله.. هو لحظة صمت وعودة لدفء الذات لملامسة الروح.. للسكينة.. للسكينة التي تسبق رياح الاستمرار لكن بشكل أجمل.. أفلت مكنسة أنيس ولكني لما بقي لي عمر حملتها مرة أخرى.. سأبتسم دائماً
من مذكرات امرأة لم تعرف كيف تعيش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق