لمحتك بطولك الفارع بصحبة بعض من طلابك.. كنت أنظر إليك من خلف نظارة سوداء.. لم تعرني اهتماما ولكني.. عزمت أن لا أفلتك هذه "الصدفة"
تركت عمداً وشاحي على ذلك المقعد.. كنت أكيدة أن قلبك القوي سيتعثر به ويقع رغم صلابة نبضه، حملتَه.. ناديتني مرة وثانية وثالثة فالتفتُ "الثالثة ثابتة" هكذا يقال.. كنت تبتسم بل كنت غارقاً في الوسامة بسمرتك الوهرانية وروحك المتشبعة بنسيم البحر ومواعض سيدي الهواري والمتأهبة كالأسدين معاً لكل طارئ.. نظرت إليك ولم آبه للوشاح فلونه لم يكن يعجبني ولكني فكرت أنه ولابد كان يعجبك كرجل.. همست وأنا أراقب اقترابك متأملة تضاريس جبال الشريعة التي سكنت محياك منذ سرقتك البليدة من وهران الباهية وجعلتك تغير ضريح صلواتك إلى سيدي الكبير الذي رغم هجرانه مازال له ذاك السحر في الاحتفاظ بالزوار وأسرهم.. "تبا لك البليدة لما احتفظت به؟؟ ألتغويني فقط أغيرت ورودك بتعاويذ الحب؟"
قلت لي حينها: "لا تكوني مهملة" لم أتمالك عن الضحك وأنا أجيبك "بل مهملة جداً" أتممتها في سري "مهملة حد المجيء بك إلى هنا"
شددتَ الوشاح لحظات ثم أفلته سألتني إن كنا التقينا من قبل أو كنا نعرف بعضنا، نزعت نظارتي السوداء ثبت عينيَّ الزرقاوين بسواد عينيك لحتى جعلته لجة هائجة ثم.. أجبتك على مهل كأني أتذكر: "ربما في المعهد.. أأنت معيد هناك" كنت أكيدة أنك أستاذ محاضر ولكني أردت مخاطبة كبريائك الرجولي كي يطغى على طيبتك.. أجبتني "أنا أستاذ محاضر.. أتدرسين هنا" كم أحب ادعاء السذاجة منذ لحظات فقط كان احتمال أننا التقينا قبلا قائماً.. أجبتك أني هنا أنتظر صديقة وعدَتْني أن توفر لي كتاباً ولكنها لم تحضر.. "صدفة" كنت تملكه فوضعنا يومها موعدنا الأول...
أغرب ما حدث في قصتي معك.. أنّ موضوع رسالة الدكتوراء التي كنت تحضرها كان حول الكاتب الّذي ادّعيتُ أنّي أريد كتابه، وأنّك لم تكن مجرّد استاذ محاضر بل كنت رئيس الكليّة نفسه الّذي كان يكلّم دائماً استاذي المشرف على رسالة الماجستير التي كنت أحضرها ويزوره في مكتبه الخاص دون أن نراه.. أنّك لم تحب قطّ لون ذلك الوشاح ولكنّك يومها تمنيت أن أكون مهملة لأنها كانت الطريقة الوحيدة لتكلمني بعيداً عن صديقك.. أنّك تعمدت شدَّ الوشاح لتجبرني على خلع النظارة.. أنّي كنت أجلس على المقعد الذي تعودت الاستراحة عنده بين المحاضرة والأخرى..أغرب ما حدث أننا كنا نعرف بعضنا من حيث لا يعرف أحدنا ذلك..
آمال بوضياف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق