في كلا حياتيَّ -الطويلة والقصيرة- لم أتوقع أنّي سأنتظرك كل هذا الشتاء.. ولم أعتقد أن غيابك سيكون أبدياً بهذا الشكل.. يشبه الموت في لحظاته الأولى.. جثة الوقت أمامي ونفسي تعتصر: "هل أصدق؟؟ وكيف سأفعل؟" سواد عيني يزداد مع كل ورقة تقع.. لكأني أفقد بصري إلّا منك..
في الماضي.. كانت أمطاري شديدة الملوحة.. كأمطار شهر ثمانية.. تُختزل كلها رغم الشتاء الدائم في نزلة واحدة.. تماما كما تسميها جدتي "صَلَّاحَةْ النْوادَرْ" سألت جدتي عمّا هي "النْوادرْ" قالت أنّها بقايا التبن التي لا يمكن جمعها من الأرض بعد الحصاد.. "تَصْلَحْها" هذه الأمطار أي تكنسها.. كنت أفرغ كل أحزاني وجراحي في سلة الزمن.. إلّا تلك "النْوادر" فإنّي كنت أحتاج لأمطار شهر ثمانية لأزيلها.. أمّا اليوم فما عادت لي نوادر.. لأن أحزاني ما عادت تحصد.. وأمطاري ما عادت مالحة.. بل معذبة كروحي..
منذ دخلتَ دائرة الوقت ضاع دربي وتفرعت نهاياته.. وما عدت أدري ما أنا وما أريد.. وقفت عند المرآة حتى صدئ لجيْنها.. ولم أجد ذاتي.. أيعقل أن يظل قلبي على باب الشتاء يشرب مطراً معذباً.. حتى وأنا أمضي؟؟ أيعقل؟؟